هذه المناورات، التي ستنطلق يوم 15 سبتمبر 2025 على السواحل الشرقية للولايات المتحدة، وتستمر حتى 6 أكتوبر 2025، تمثل محطة رئيسية في التعاون العسكري الدولي، خصوصاً وأن المغرب هو الدولة الوحيدة المشاركة من العالمين العربي والإفريقي، ما يضفي على الحدث بعداً إستراتيجياً إضافياً.
جذور تاريخية وتقاليد ممتدة
تعود بدايات مناورات UNITAS إلى عام 1959، حين اتفقت دول الأمريكيتين خلال مؤتمر بحري عقد في بنما على ضرورة إنشاء تدريبات بحرية مشتركة لتعزيز التنسيق الأمني. وقد شهد عام 1960 تنفيذ أول نسخة من هذه التمارين، التي تحولت مع مرور الزمن إلى حدث سنوي يستقطب عدداً متزايداً من الدول.
وتأتي نسخة 2025 لتكون الدورة 66 في هذا المسار الطويل، مؤكدة مكانة هذه المناورات كأقدم وأطول تدريب بحري متعدد الجنسيات في العالم، وهو ما يعكس أهميتها كمنصة للتعاون العملي وتبادل الخبرات بين الأساطيل البحرية.
حجم المشاركة وطبيعة الأنشطة
تشهد هذه النسخة مشاركة ما يقارب 8000 عنصر عسكري من 26 دولة، من بينها المغرب والولايات المتحدة، إلى جانب الأرجنتين، البرازيل، كندا، تشيلي، كولومبيا، فرنسا، ألمانيا، إيطاليا، اليابان، إسبانيا، هولندا، سنغافورة، ودول أخرى من أميركا اللاتينية وأوروبا.
وتتوزع مراحل المناورات بين تدريبات على اليابسة وفي البحر. المرحلة الأولى، المسماة "مرحلة الحضور في الموانئ"، ستُجرى في قاعدة ماي بورت البحرية بولاية فلوريدا، وتشمل تبادل الخبرات بين الضباط والخبراء، إضافة إلى ورش عمل في مجالات الدفاع السيبراني، الطب العسكري، وعمليات البحث والإنقاذ البحري.
أما المرحلة الثانية، "Underway Phase"، فستكون الأكثر كثافة، حيث تنطلق التدريبات الفعلية في عرض البحر، بما في ذلك تمرين إطلاق نار حي على أهداف بحرية يعرف باسم SINKEX، فضلاً عن عمليات إنزال برمائية وتكتيكات الانسحاب البحري، وذلك في قاعدة كامب ليجون بولاية كارولاينا الشمالية.
التمارين ستشهد أيضاً إدماج تكنولوجيات متقدمة مثل الأنظمة غير المأهولة والطائرات بدون طيار، في إطار توجه نحو بناء أساطيل هجينة Hybrid Fleet تمزج بين القدرات التقليدية والابتكارات التكنولوجية الحديثة.
المغرب: حضور إستراتيجي ورسائل متعددة
مشاركة المغرب في هذه المناورات ليست مجرد حضور رمزي، بل تحمل أبعاداً إستراتيجية عميقة. فالمملكة، باعتبارها الدولة الوحيدة من إفريقيا والعالم العربي في هذه النسخة، تعزز موقعها كحلقة وصل جيوسياسية بين أوروبا وإفريقيا والأميركتين.
الخبير في الشؤون العسكرية، عبد الرحمان مكاوي، أكد أن دعوة المغرب إلى هذه المناورات "تجسد عمق الشراكة الدفاعية المغربية–الأمريكية، وتتيح للبحرية الملكية اختبار قدراتها العملياتية في بيئة متعددة الجنسيات، بما يعزز جاهزيتها لمواجهة التهديدات التقليدية وغير التقليدية مثل القرصنة والإرهاب البحري".
من جهته، اعتبر الباحث الإستراتيجي هشام معتضد أن مشاركة المغرب "تعكس انتقال المملكة من موقع المتلقي للتعاون إلى موقع المساهم في الأمن الجماعي الدولي"، مشدداً على أن هذه الخطوة تؤكد الاعتراف الدولي بالمغرب كفاعل أساسي في ضمان استقرار خطوط الملاحة العالمية، خصوصاً في منطقة مضيق جبل طارق ذات الأهمية الإستراتيجية الكبرى.
دلالات عسكرية وجيوسياسية
1. تعزيز القدرات العملياتية: تمثل هذه المشاركة فرصة للبحرية الملكية المغربية لتجربة معداتها وسفنها الحربية في بيئات عملياتية معقدة، بما في ذلك التعاون مع غواصات نووية ومدمرات أمريكية.
2. تطوير العقيدة القتالية: الانخراط في تدريبات تشمل الذخيرة الحية والعمليات المشتركة يتيح للمغرب تسريع تحديث عقيدته القتالية وتكييفها مع التحديات الجديدة.
3. توسيع شبكة الشراكات: من خلال التفاعل مع دول من آسيا وأميركا اللاتينية وأوروبا، يعزز المغرب تنويع تحالفاته الأمنية، ما يقلل اعتماده على الشراكات الثنائية التقليدية.
4. إبراز صورة المغرب دولياً: المشاركة تؤكد صورة المملكة كدولة مستقرة وموثوقة قادرة على الالتزام بمتطلبات الأمن التعاوني الدولي.
البعد الاحتفالي: ذكرى 250 سنة على تأسيس البحرية الأمريكية
إلى جانب الجانب العملياتي، تحمل نسخة هذا العام بعداً رمزياً خاصاً، إذ ستُختتم المناورات بفعاليات احتفالية على الساحل الشرقي للولايات المتحدة بمناسبة الذكرى 250 لتأسيس البحرية الأمريكية. وسيشارك المغرب في هذه الاحتفالات إلى جانب كبار القادة العسكريين من الدول المشاركة، في إشارة رمزية إلى مكانته كشريك استراتيجي في منظومة الأمن البحري الدولي.
المغرب.. من متلقٍ إلى صانع للأمن الجماعي
المشاركة المغربية في UNITAS 2025 تؤكد أن المملكة لم تعد تكتفي بدور المتلقي للتعاون الدولي، بل أصبحت طرفاً فاعلاً يساهم في صياغة الأمن الجماعي، سواء في المتوسط أو الأطلسي أو حتى على مستوى الخطوط البحرية العالمية.
فالمغرب اليوم، من خلال هذه الخطوة، يقدم نفسه كنموذج لدولة نامية استطاعت عبر تحديث قواتها المسلحة وتعزيز شراكاتها الإستراتيجية أن تفرض حضورها في واحدة من أكثر المناورات العسكرية تعقيداً في العالم.
إن مشاركة المغرب في UNITAS 2025 ليست حدثاً عادياً، بل محطة تعكس توازنات جديدة في الساحة الدولية، حيث يرسخ المغرب موقعه كفاعل جيوسياسي محوري في إفريقيا والمتوسط والأطلسي.
وبينما تستعد الأساطيل المشاركة لتنفيذ تدريبات معقدة تشمل أحدث التقنيات القتالية، فإن الأنظار تتجه أيضاً إلى الرسائل السياسية الكامنة وراء هذه المناورات، والتي تتمثل في تعزيز الثقة بين الحلفاء وتوسيع شبكات الشراكة لمواجهة التحديات الأمنية المتزايدة.
وبذلك، يثبت المغرب مرة أخرى أنه ليس مجرد شريك عسكري للولايات المتحدة، بل فاعل إستراتيجي قادر على المساهمة في ضمان الأمن البحري العالمي، وتكريس صورته كركيزة للاستقرار في محيط إقليمي ودولي متغير.