انطلقت فعاليات أسبوع استثمار الجالية المغربية المقيمة بالخارج، ما بين الحادي عشر والخامس عشر من غشت، بالمراكز الجهوية للاستثمار في الجهات الاثني عشر، تحت إشراف وزارة الاستثمار والتقائية وتقييم السياسات العمومية. وتأتي هذه المبادرة الوطنية ضمن جهود الحكومة لتعزيز مشاركة مغاربة العالم في التنمية الاقتصادية والاجتماعية للبلاد، من خلال ربط الكفاءات بالفرص الاستثمارية المنتجة، وتحويل تحويلاتهم المالية إلى مشاريع قادرة على إحداث أثر اقتصادي ملموس.
ويأتي تنظيم هذا الحدث في وقت يشهد فيه الاقتصاد المغربي تحديات ملموسة، أبرزها تراجع تحويلات الجالية بعد وصولها لمستويات قياسية تجاوزت مائة وعشرة مليارات درهم خلال السنوات الأخيرة، إضافة إلى تسجيل عجز تجاري فاق ثلاثمائة وأربعة مليارات وتسعمائة مليون درهم عام ألفين وأربعة وعشرين، بما يمثل نسبة تسعة عشر فاصلة تسعة بالمائة من الناتج الداخلي الخام. وتشير توقعات المندوبية السامية للتخطيط إلى إمكانية انخفاض هذا العجز إلى تسعة عشر فاصلة ستة بالمائة عام ألفين وخمسة وعشرين، مدعوماً بانخفاض فاتورة المواد الأولية وزيادة النشاط السياحي، لكن التحديات الاقتصادية لا تزال قائمة، وتتطلب حلولاً استراتيجية على مستوى الاستثمار الوطني.
وأكدت وزارة الاستثمار أن المبادرة تهدف إلى تعريف المستثمرين المغاربة بالفرص الجهوية المتاحة، وتقديم الدعم الإداري والمالي المناسب، بالإضافة إلى توفير تحفيزات جهوية تراعي خصوصيات كل جهة، وفتح مراكز الجهوية على مدار السنة لتقديم مواكبة مستمرة. ويؤكد خبراء الاقتصاد أن توجيه الاستثمارات نحو قطاعات منتجة مثل الزراعة والصناعة، بدلاً من القطاعات غير المهيكلة، يساهم في خلق قيمة اقتصادية مستدامة وفرص شغل حقيقية.
وأشار الباحث رشيد ساري إلى أن الاستثمارات السابقة لمغاربة العالم كانت غالباً في قطاعات عقارية أو تجارية محدودة الأثر، مؤكداً على ضرورة التركيز على المشاريع الإنتاجية التي تضيف قيمة للاقتصاد الوطني. ومن جانبه، شدد الخبير عبد الخالق التهامي على أهمية تبسيط الإجراءات الإدارية وتقليص البيروقراطية التي تواجه المستثمرين، مؤكداً أن نجاح المبادرة يتطلب استمرار الدعم خارج نطاق فترة الفعالية لضمان استدامة المشاريع.
وتشمل التوصيات العملية لإنجاح المبادرة، وفق خبراء الاستثمار، تبسيط الإجراءات الإدارية عبر حوكمة فعالة وخدمات إلكترونية متكاملة، وتقديم تحفيزات مالية وضريبية، إلى جانب دعم عقاري بأسعار رمزية للمشاريع الإنتاجية. كما تؤكد المبادرة على أهمية الشراكة بين المنتخبين والمراكز الجهوية لتحديد القطاعات الواعدة وتوجيه الاستثمارات نحوها، فضلاً عن تعزيز التواصل القنصلي وتوفير الدعم عن بعد عبر المنصات الرقمية.
ولا يقتصر أثر المبادرة على الجانب الاقتصادي فحسب، بل يمتد إلى البعد الاجتماعي والإنساني، حيث تشير الدراسات الميدانية إلى أن جزءاً من تحويلات الجالية يستخدم لدعم مشاريع اجتماعية محلية، مثل حفر الآبار، بناء المستوصفات، ودعم التعليم في القرى والمناطق النائية، مما يعكس روح التضامن والانتماء الوطني. وتشدد المبادرة على أن تشجيع الاستثمار الاجتماعي يجب أن يكون جزءاً من السياسات العمومية ووثائق التنمية الجهوية.
ختاماً، يمثل أسبوع استثمار الجالية المغربية خطوة استراتيجية لتعزيز التنمية الجهوية المستدامة، وربط خبرات وكفاءات المغاربة بالخارج بالفرص الإنتاجية على أرض الواقع. ويؤكد المتابعون أن نجاح هذه المبادرة يتطلب بيئة مؤسساتية محفزة، دعم مستمر على مدار العام، وسياسات تكاملية تربط الكفاءات بالفرص الاستثمارية بدقة وبروية، لضمان تحويل نوايا الاستثمار إلى مشاريع واقعية قادرة على إحداث أثر اقتصادي واجتماعي ملموس.