دخل ملف الصحراء المغربية منعطفًا تاريخيًا غير مسبوق، وسط تحرك دولي مكثف يقوده كل من الولايات المتحدة وفرنسا، بدعم من المملكة المتحدة، لإنهاء خيار الاستفتاء الذي ظل مطروحًا منذ أكثر من ثلاثة عقود، واستبداله ببعثة أممية جديدة تحت اسم "مانساسو"، مكلفة بمواكبة خطة الحكم الذاتي المغربية. هذا التطور يعكس تحوّلًا استراتيجيًا من شأنه إعادة رسم موازين القوة داخل الأمم المتحدة وإضعاف مشروع الانفصال الذي تقوده جبهة البوليساريو بدعم جزائري.
منذ التسعينيات، كانت بعثة المينورسو مكلفة بمهمة مزدوجة تشمل مراقبة وقف إطلاق النار، والتحضير لاستفتاء تقرير المصير، الذي اصطدم بعقبات لوجستية وسياسية حالت دون تنفيذه. واليوم، ومع الضغط الدولي، تتجه الأمم المتحدة نحو إعادة صياغة تفويض البعثة بما يتوافق مع الواقع السياسي والميداني في الصحراء المغربية.
وكان التحرك الأمريكي أبرز مظاهر هذا التوجه الجديد. ففي أواخر يوليو، قام مستشار الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب لشؤون الشرق الأوسط وإفريقيا، مسعد بولوس، بجولة شملت باريس ثم الجزائر، مؤكّدًا أن الحكم الذاتي المغربي يمثل الحل الواقعي والمشرف الوحيد. وفي الثاني من أغسطس، بعث الرئيس ترامب رسالة رسمية إلى الملك محمد السادس، أكد فيها دعم بلاده الكامل لمغربية الصحراء ورفضها القطعي لخيار الاستفتاء.
واشنطن لم تكتف بالدعم السياسي، بل لوّحت أيضًا بإجراءات إضافية، منها مقترحات في الكونغرس لتصنيف جبهة البوليساريو كمنظمة إرهابية، وهو ما يقلل من شرعيتها الدولية، في الوقت الذي قدمت فيه وعودًا باستثمارات في قطاعي الطاقة والمعادن بالجزائر، ضمن مقاربة مزدوجة قائمة على مبدأ العصا والجزرة.
وفي خطوة عملية لدعم هذا التحوّل، زار وفد أمريكي رفيع المستوى مدينة العيون والتقى برئيس بعثة المينورسو، ألكسندر إيفانكو، لمناقشة إعادة هيكلة البعثة عبر تقليص مكونها المدني والسياسي، مع الإبقاء على قوات حفظ السلام لمراقبة وقف إطلاق النار.
المغرب، من جانبه، لم يقف موقف المتلقي، بل اعتمد دبلوماسية هجومية متعددة الأبعاد: على المستوى الثنائي، نسج شراكات استراتيجية مع واشنطن وباريس ولندن ومدريد، وعلى المستوى الإقليمي، عزّز حضوره عبر افتتاح أكثر من 30 قنصلية عامة في العيون والداخلة، أما على المستوى الأممي، فقدّم نفسه كطرف مسؤول ومنفتح على الحوار، مع التأكيد على أن الجزائر طرف رئيسي في النزاع.
التركيز الآن ينصب على مجلس الأمن الدولي، حيث من المتوقع أن يُعرض في أكتوبر مشروع قرار حاسم لإعادة تفويض بعثة المينورسو بصيغة جديدة تُطلق بعثة مانساسو بمهام واضحة. تمرير القرار يتطلب 9 أصوات على الأقل مع تفادي استخدام حق النقض، فيما تدعم الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا المغرب بوضوح، ويُرجح أن تمتنع روسيا والصين عن التصويت. الأعضاء غير الدائمين مثل سلوفينيا وكوريا الجنوبية وسيراليون وباكستان والدنمارك يشكلون ساحة محورية للجهود الدبلوماسية المغربية.
هذا التحوّل قد يؤدي إلى سحب الصحراء المغربية من قائمة الأقاليم غير المتمتعة بالحكم الذاتي، تهميش جبهة البوليساريو داخل الاتحاد الأفريقي، وتعزيز الاعتراف الدولي بسيادة المغرب الكاملة على أقاليمه الجنوبية.
ورغم هذا الزخم الدولي، تواصل الجزائر تمسكها بخيار الاستفتاء، وتقترح أحيانًا إضافة مراقبة حقوق الإنسان إلى تفويض البعثة، لكن هذه الطروحات لم تجد أي تجاوب من القوى الكبرى، التي ترى في الحكم الذاتي المغربي الحل الواقعي الوحيد. الدعم الدولي لهذه المبادرة آخذ في التوسع، حيث أعلنت البرتغال وغانا وكينيا، إلى جانب الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا، دعمها للخطة، معتبرة إياها الحل الأكثر قابلية للتنفيذ.
اليوم، يقف المغرب على أعتاب فرصة تاريخية لترسيخ سيادته على الصحراء، وإغلاق صفحة النزاع المفتعل الذي دام أكثر من نصف قرن. معركة أكتوبر في مجلس الأمن ستكون مفصلية: إما تجديد روتيني لتفويض المينورسو بما يعني استمرار الوضع القائم، أو إصلاح جوهري عبر إطلاق بعثة مانساسو، بما يضع حدًا نهائيًا لخيار الاستفتاء ويحوّل هذا الملف إلى صفحة مطوية في سجل التاريخ.