في خطوة دبلوماسية نادرة من نوعها، استقبلت بعثة الأمم المتحدة للاستفتاء في الصحراء الغربية، المعروفة اختصارًا بالمينورسو، وفدًا رفيع المستوى من مكتب عمليات حفظ السلام بوزارة الخارجية الأمريكية بمدينة العيون. هذه الزيارة التي تعتبر الأولى من نوعها على مستوى الأقاليم الجنوبية للمملكة، تحمل رسائل سياسية واستراتيجية متعددة في توقيت بالغ الحساسية، عشية انطلاق مشاورات مجلس الأمن الدولي المقررة في شهر 10 المقبل.
انطلقت الزيارة من مطار الحسن الأول بمدينة العيون، حيث كان في استقبال الوفد الأمريكي الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة بالصحراء، السيد ألكسندر إيفانكو، إلى جانب عدد من كبار المسؤولين في قيادة البعثة الأممية. الوفد الأمريكي ضم شخصيات بارزة، من بينها مدير مكتب عمليات حفظ السلام، السيد غريغوري راوود كافيرت موريسون جيمس، إلى جانب مساعديه السيدة ماديسين جين غودباليه المكلفة بالشؤون الخارجية، وأنتوني جيمس دياز المستشار السياسي بالبعثة الأمريكية الدائمة لدى الأمم المتحدة في نيويورك، وآدم ميغيل ليفي القائم بأعمال المستشار السياسي بسفارة الولايات المتحدة بالرباط.
خلال اللقاءات التي جمعته بالمسؤولين الأمميين، تناول الوفد مستقبل عمل بعثة المينورسو، والمهام الموكولة إليها في مراقبة اتفاق وقف إطلاق النار الموقع سنة 1991، إضافة إلى التحديات الميدانية، خاصة بعد إعلان جبهة البوليساريو في 11/2020 تنصلها من الاتفاق. مصادر أممية أكدت أن هذه الزيارة تعكس تحوّلًا نوعيًا في مقاربة واشنطن للملف، إذ لم يسبق للخارجية الأمريكية أن أرسلت وفدًا تقنيًا متخصصًا إلى الأقاليم الجنوبية المغربية.
ويشير محللون إلى أن أهمية هذه الزيارة تتجاوز الطابع البروتوكولي، إذ تأتي في لحظة سياسية حساسة مع استعداد مجلس الأمن الدولي لمناقشة تجديد ولاية المينورسو وسط تجاذبات قوية بين القوى الكبرى حول أفضل مقاربة للحل. كما تمثل رسالة دعم واضحة للجهود الأممية، تتجاوز التصريحات التقليدية إلى حضور ميداني فعلي يعكس التزام الولايات المتحدة بقضايا الاستقرار الإقليمي.
من جانبه، أكّد عبد الفتاح البلعمشي، رئيس المركز المغربي للدبلوماسية الموازية وحوار الحضارات، أنّ “الزيارة تمثل تطورًا مهمًا في تعامل واشنطن مع ملف الصحراء المغربية، حيث لم يعد الأمر يقتصر على بيانات رسمية، بل تحوّل إلى متابعة ميدانية دقيقة لعمل بعثة المينورسو.” وأضاف أن مشاركة كبار المسؤولين الأمريكيين يعكس اهتمامًا متزايدًا بكل تفاصيل النزاع، سواء من حيث التمويل أو طبيعة العمليات الميدانية.
كما أوضح الخبير في العلاقات الدولية عبد الوهاب الكاين، رئيس منظمة “أفريكا ووتش”، أنّ الزيارة تعكس سعي واشنطن إلى تفعيل قرار الاعتراف بسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية، من خلال تقييم دقيق لجهوزية البعثة الأممية، بما يعزز فرص تبني مقترح الحكم الذاتي الذي قدمته المملكة سنة 2007. واعتبر أنّ التركيبة المتنوعة للوفد، بين ممثلين عن وزارة الخارجية الأمريكية والبعثة الدائمة في نيويورك وسفارة الرباط، تعكس مقاربة شمولية تسعى واشنطن لتطبيقها قبل شهر 10.
على المستوى التحليلي، أبرز المراقبون أن الزيارة الأمريكية توجه رسائل ثلاثية الأبعاد: أولًا، إلى مجلس الأمن الدولي لتأكيد متابعة واشنطن الحثيثة للملف؛ ثانيًا، إلى الرباط لتأكيد الالتزام بخيار الحكم الذاتي؛ وثالثًا، إلى الأطراف الأخرى لإيضاح أن الموقف الأمريكي صار واضحًا وراسخًا عبر آليات ميدانية عملية.
الزيارة تؤكد أيضًا تحول مدينة العيون إلى محور اهتمام دبلوماسي متزايد، إذ من المتوقع استقبال وفود أخرى، بينها وفد كوري جنوبي، لمتابعة عمل البعثة الأممية مباشرة من الميدان. هذا التوجه يعكس حرص الدول على جمع المعلومات بشكل مباشر بعيدًا عن التقارير الرسمية المكتوبة، وهو ما يعزز مصداقية القرارات التي ستصدر عن مجلس الأمن.
من منظور استراتيجي، تُظهر الزيارة اهتمام الولايات المتحدة بالاستقرار الإقليمي في شمال إفريقيا ومنطقة الساحل، في ظل تصاعد التهديدات الإرهابية والهجرة غير النظامية. كما تعكس الرغبة الأمريكية في كسر الجمود الذي طبع ملف الصحراء لعقود، ودفع الأطراف إلى التفاعل الجدي مع مقترح الحكم الذاتي المغربي.
ويشير محللون إلى أن زيارة العيون تمثل انتقالًا من دائرة المواقف النظرية إلى أفعال ملموسة. فمكتب عمليات حفظ السلام الأمريكي هو الجهة المسؤولة عن متابعة البعثات الأممية حول العالم من الناحية المالية والتنظيمية والعملياتية. وتواجد مسؤولي المكتب في الميدان يعني أن تقاريرهم ستكون محورًا أساسيًا لصياغة الموقف الأمريكي داخل مجلس الأمن.
كما تأتي الزيارة في سياق دعم جهود المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة، السيد ستيفان دي ميستورا، لإعادة استئناف العملية السياسية، وتعكس التوجه الأمريكي نحو حل سياسي شامل وواقعي قائم على التوافق الدولي.
ختامًا، يمكن القول إن زيارة وفد مكتب عمليات حفظ السلام الأمريكي إلى العيون تمثل سابقة دبلوماسية مهمة، وتؤشر إلى تحول نوعي في طريقة تعاطي واشنطن مع النزاع، وتعزز من فرص تبني مقترح الحكم الذاتي المغربي. فالولايات المتحدة لم تعد تكتفي بالمراقبة عن بعد، بل أصبحت شريكًا حاضرًا في تفاصيل الملف، بما يمهّد لتبني مواقف أكثر وضوحًا داخل أروقة الأمم المتحدة.