في تطور دبلوماسي بارز، أكدت اليابان مجدداً رفضها الاعتراف بما يسمى "الجمهورية الصحراوية"، وذلك خلال أشغال القمة الـ9 للمؤتمر الدولي لطوكيو حول التنمية في إفريقيا "تيكاد-9"، المنعقدة بمدينة يوكوهاما. الموقف الياباني، الذي جاء في ظرف يومين فقط وللمرة الـ3، اعتُبر صفعة قوية لجبهة البوليساريو وللأطراف الداعمة لها، ورسالة واضحة مفادها أن القانون الدولي لا يعترف بكيانات وهمية.
وزير الخارجية الياباني تاكيشي إيوايا شدد في كلمته الافتتاحية على أن "وجود كيان لا تعترف به اليابان كدولة لا يمكن أن يؤثر على موقفها بشأن وضعه". ورغم أن هذه الجملة كانت الوحيدة ذات الطابع السياسي في خطابه، إلا أنها حملت دلالات قوية وأغلقت الباب أمام محاولات تسييس القمة وتحويلها عن أهدافها التنموية.
هذا الموقف ليس جديداً على طوكيو، إذ سبق أن أكدت خلال الاجتماع الوزاري التحضيري، ثم في لقاء كبار المسؤولين، أنها لم توجه أي دعوة للبوليساريو، وأن الدعوات اقتصرت فقط على الدول التي تقيم معها اليابان علاقات دبلوماسية رسمية. أما حضور الكيان الانفصالي فاقتصر على دعوة الاتحاد الإفريقي لجميع أعضائه، وهو ما شددت اليابان على أنه لا يمنحه أي شرعية، باعتبارها الدولة المنظمة لا تعترف به ولن تعترف به.
ويرى مراقبون أن هذا الموقف يعكس انسجام اليابان مع الشرعية الدولية، حيث إن الأمم المتحدة نفسها لا تعترف بالبوليساريو كدولة ذات سيادة. كما أنه يشكل دعماً صريحاً للمغرب في معركته الدبلوماسية للدفاع عن وحدته الترابية، والتي يخوضها منذ عقود مستنداً إلى الأسس التاريخية والقانونية، وإلى مقترح الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية الذي اعتبرته الأمم المتحدة "جاداً وذا مصداقية".
الأهمية الاستراتيجية للموقف الياباني تتجلى في كون طوكيو دولة عظمى، عضو في مجموعة الـ7، وصاحبة ثالث أكبر اقتصاد في العالم. وبالتالي، فإن رسالتها تتجاوز حدود قاعة المؤتمر لتصل إلى عواصم القرار العالمي، مؤكدة أن قضية الصحراء لا يمكن أن تكون موضوع مساومات سياسية أو رهينة لمخططات انفصالية.
كما أن هذا الموقف ينسجم مع التوجه الدولي المتنامي نحو البحث عن حلول واقعية للنزاعات الإقليمية، وفي مقدمتها مبادرة الحكم الذاتي المغربية. وهو ما يعكس فهماً عميقاً من جانب اليابان لخطورة دعم كيانات وهمية، باعتبار ذلك يزرع الفوضى ويقوض الاستقرار، في حين أن الاستقرار يشكل شرطاً أساسياً لجلب الاستثمارات وتعزيز التنمية المستدامة في القارة الإفريقية.
المغرب من جانبه، خرج من القمة مرفوع الرأس، بعدما نجح في تثبيت دعم حليفه الآسيوي الاستراتيجي لقضيته الوطنية. فقد مثل المملكة في هذا الحدث الدولي سفير جلالة الملك لدى اليابان، محمد رشاد بوهلال، الذي تابع باهتمام تفاصيل المداولات والتأكيدات اليابانية المتكررة. ويؤكد محللون أن تعزيز العلاقات المغربية–اليابانية يندرج ضمن رؤية استراتيجية بعيدة المدى، تقوم على الاحترام المتبادل والشراكات الاقتصادية الواعدة، بعيداً عن أي حسابات ظرفية ضيقة.
في المقابل، وجدت الأطراف الداعمة للبوليساريو نفسها في عزلة واضحة. فاليابان، بوزنها الدبلوماسي والاقتصادي، أوصدت الباب أمام محاولاتهم، موجهة لهم رسالة سياسية قاسية: "وجودكم لا يغير شيئاً". هذا الموقف اعتُبر بمثابة تذكير للانفصاليين بأنهم مجرد ورقة تستعملها أطراف إقليمية، دون أي اعتراف أو مشروعية دولية.
وتأتي هذه المستجدات في سياق أوسع يتمثل في الأهمية الاستراتيجية لمؤتمر "تيكاد"، الذي يشكل منصة رئيسية للتعاون بين اليابان والقارة الإفريقية. المؤتمر يهدف إلى مواءمة أولويات الاتحاد الإفريقي مع أهداف التنمية المستدامة، كما يعد فضاءً للتنافس الدولي على إفريقيا، حيث تتقاطع مصالح قوى كبرى مثل الصين والولايات المتحدة وأوروبا. وفي خضم هذا التنافس، تبرز اليابان كفاعل جاد يرفض الانجرار وراء صراعات هامشية، ويصر على أن يظل المؤتمر منصبّاً على التنمية لا على الانفصال.
المغرب، بموقعه الجغرافي كبوابة طبيعية لإفريقيا وباستقراره السياسي والاقتصادي، يجد في هذا السياق فرصة لتوطيد شراكته مع اليابان. فالموقف الياباني الأخير لا يعد مجرد دعم سياسي، بل يمثل استثماراً في المستقبل، يقوم على رؤية مشتركة قائمة على الثقة والوضوح، وعلى قناعة بأن التنمية الحقيقية لا تتحقق إلا في بيئة مستقرة.
إن الدرس الأبرز الذي تخرج به القمة الـ9 لـ"تيكاد" هو أن الحقائق الثابتة لا يمكن طمسها. المغرب في صحرائه، والصحراء في مغربها، بينما الكيان الوهمي يظل خارج سياق الشرعية الدولية، محصوراً في دعوات شكلية لا أثر لها. الموقف الياباني جاء ليؤكد هذا الواقع ويضع النقاط على الحروف: لا مكان للكيانات غير الشرعية في مستقبل إفريقيا، ولا تنمية بدون استقرار قائم على احترام
سيادة الدول ووحدتها الترابية.