تعود انطلاقة الاحتفال بعيد الشباب إلى سنة ألف وتسعمائة وستة وخمسين، بمبادرة من جلالة الملك محمد الخامس، طيب الله ثراه، الذي أراد من هذه المناسبة التعبير عن أهمية الشباب في نهضة الوطن. وقد ارتبط الاحتفال في بداياته بذكرى ميلاد الملك الراحل الحسن الثاني، قبل أن يتحول في ما بعد إلى يوم سنوي يواكب ذكرى ميلاد صاحب الجلالة الملك محمد السادس، نصره الله وأيده. ويؤكد اختيار الشباب عنواناً لهذا اليوم على إدراك المملكة لأهمية هذه الفئة، التي تشكل النسبة الأكبر من التركيبة السكانية، وتعتبر الثروة الحقيقية للمملكة.
لقد لعب الشباب المغربي أدواراً بارزة في مختلف محطات التاريخ، من مقاومة الاستعمار إلى المشاركة في البناء الديمقراطي، مروراً بالمساهمة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية. ومع صدور دستور المملكة سنة ألفين وأحد عشر، تعززت مكانة الشباب، حيث نصت مواده، وخاصة الفصلان الحادي والثلاثون والثالث والثلاثون، على ضرورة إدماجهم في التنمية وتسهيل ولوجهم إلى ميادين الثقافة والعلم والرياضة. كما تم إحداث المجلس الاستشاري للشباب والعمل الجمعوي، كهيئة دستورية تهدف إلى تأطير الشباب وتقديم مقترحات لتعزيز أوضاعهم.
على مدى أكثر من عقدين، لم يغفل جلالة الملك محمد السادس، رعاه الله، قضايا الشباب، وجعل من خطبه مرجعاً لتحديد أولويات السياسات العمومية في هذا المجال. ففي خطاب العرش لسنة ألفين وسبعة عشر، أكد جلالته على أن "الشباب هو الثروة الحقيقية للوطن"، داعياً إلى إرساء سياسات واقعية تفتح أمامهم آفاق العمل والدخل والاستقرار. وترجمت هذه الرؤية في مجموعة من المبادرات والمشاريع العملية، أبرزها المبادرة الوطنية للتنمية البشرية في نسختها الثالثة، وبرنامجي "انطلاقة" و"فرصة"، فضلاً عن إنشاء مدن المهن والكفاءات سنة ألف وتسعمائة وتسعة عشر، التي أصبحت ركائز أساسية لإعداد الشباب لسوق الشغل.
وفي ميدان التشغيل، الذي يعد أحد أبرز التحديات، شدد جلالة الملك على ضرورة محاربة البطالة، خصوصاً بين حاملي الشهادات العليا وخريجي التكوين المهني، عبر إطلاق برامج تمويل للمشاريع الصغرى والمتوسطة وتشجيع الشباب على خلق مقاولاتهم الخاصة. كما أولت السياسة الملكية اهتماماً بالقطاع القروي، من خلال تعبئة الأراضي الفلاحية ودعم المقاولات الصغرى وتشجيع الاستثمار في السياحة والصناعات المحلية، بهدف الحد من الهجرة نحو المدن وتعزيز العدالة المجالية.
على الصعيد السياسي، نص الدستور على حقوق الشباب في المشاركة والانخراط في العمل الحزبي والجمعوي، وهو ما أسهم في بروز نخب سياسية جديدة من الشباب، تولت أدواراً وزارية وترأست مجالس ترابية، مؤكدة حرص الدولة على تجديد النخب وتوسيع قاعدة المشاركة. أما الجالية المغربية بالخارج، فقد ظلّت حاضرة في الاهتمام الملكي، إذ دعا جلالته إلى تسهيل استثماراتهم والاستفادة من ميثاق الاستثمار الجديد والتسهيلات البنكية.
وفي المجال الرياضي، حقق الشباب المغربي إنجازات استثنائية، أبرزها بلوغ المنتخب الوطني لكرة القدم نصف نهائي كأس العالم بقطر سنة ألفين واثنين وعشرين، فضلاً عن الإنجازات في ألعاب القوى ورياضات أخرى. ويعود هذا النجاح إلى دعم جلالة الملك لملاعب القرب، وأكاديمية محمد السادس لكرة القدم، والبنية التحتية الرياضية الحديثة، التي أهلت المغرب لاستضافة كأس إفريقيا سنة ألفين وخمسة وعشرين، وكأس العالم سنة ثلاثة آلاف وثلاثين بالشراكة مع إسبانيا والبرتغال.
وفي بعده الاجتماعي، أطلق جلالة الملك سنة ألفين وعشرين ورش تعميم الحماية الاجتماعية، الذي وفر للشباب العاملين في القطاع غير المهيكل تغطية صحية وتقاعدية وتعويضات عائلية، تعزيزاً لإدماجهم الاقتصادي والاجتماعي. كما أعيد العمل بالخدمة العسكرية الإلزامية ابتداءً من سنة ألفين وتسعة عشر، لتكون محطة نوعية في تأطير الشباب وغرس قيم المواطنة والانتماء للوطن.
ختاماً، تبقى ذكرى عيد الشباب مناسبة وطنية كبرى لاستحضار الاهتمام الملكي المستمر بهذه الفئة، وتقييم السياسات العمومية، ومراجعة التحديات المتبقية، مثل البطالة والهدر المدرسي والإقصاء الاجتماعي. عيد الشباب هو فرصة لتجديد العهد مع المستقبل، وتمكين الشباب من العيش الكريم، ومنحهم المكانة التي يستحقونها كقاطرة للتنمية وضمانة للاستقرار ورهان المغرب الصاعد تحت القيادة الرشيدة لجلالة الملك محمد السادس، أعزه الله.