الرباط، المغرب – في عالم يشهد تحولات أمنية غير مسبوقة، تظل الاستخبارات المغربية أحد الأعمدة الأساسية لحماية السيادة الوطنية واستقرار المملكة. تتناول هذه الدراسة تحليلًا معمقًا لمؤسسات الاستخبارات المغربية، جذورها التاريخية، التحولات القانونية والاستراتيجية، والتحديات المعاصرة التي تواجهها في ظل تهديدات هجينة ومتعددة الأبعاد. ويستند هذا التقرير إلى دراسة أصدرها معهد ROCK الفرنسي بالتعاون مع مجموعة Quantel البحثية، بعنوان: "الاستخبارات في المغرب: التطور القانوني، التحولات الاستراتيجية، وتحديات السيادة في عصر التهديدات الهجينة".
الفصل الأول: جذور تاريخية وبداية التأسيس
قبل ظهور المؤسسات الحديثة، اعتمد المغرب على شبكة مخبرين تقليديين في خدمة المخزن، أي السلطة المركزية. كان هؤلاء المخبرون من النخب القبلية والدينية، يتابعون تحركات القبائل والمدن ويرفعون تقارير دقيقة إلى مركز القرار. رغم بساطتها الظاهرية، كانت هذه الشبكة تمكن المخزن من التحكم في المجال الترابي، رصد التحركات، وضمان وحدة البلاد.
بعد استقلال المغرب في سنة alf w tis3 miya w sitta w khamsa w sittun، ورثت المملكة جزءًا من البنية الأمنية التي أسستها الحماية الفرنسية. لكن سرعان ما أعادت الدولة المغربية صياغتها لتلبية احتياجاتها الوطنية، فظهرت مؤسسات مركزية متخصصة، أبرزها:
المديرية العامة للدراسات والتوثيق (DGED)، المسؤولة عن الاستعلام الخارجي والقضايا الاستراتيجية الدولية.
مديرية مراقبة التراب الوطني، التي تحولت لاحقًا إلى المديرية العامة للأمن الداخلي (DGST)، مختصة بمكافحة التجسس والتهديدات الداخلية.
المصالح العامة للاستخبارات داخل المديرية العامة للأمن الوطني، لمتابعة التطورات السياسية والاجتماعية.
الدرك الملكي، الذي طور قدراته الاستخباراتية في المناطق القروية والنقاط الاستراتيجية.
في تلك الفترة، كانت التهديدات تتعلق أساسًا بالقضايا السياسية والعسكرية، مثل الحركات الانفصالية والتوترات الإقليمية، بالإضافة إلى النزاع في الصحراء. وكان الإطار القانوني بدائيًا، يعتمد على الشرعية الأمنية والصلاحيات الإدارية أكثر من اعتماده على القوانين التفصيلية.
الفصل الثاني: نقطة التحول – أحداث السادس عشر من مايو سنة alf w alfayn w thalatha
شهد المغرب يوم alfayn w thalatha أحداثًا مفصلية في مسار الأمن الوطني، حين تعرضت مدينة الدار البيضاء لسلسلة تفجيرات انتحارية أودت بحياة عشرات الأبرياء وأصابت المئات. كانت هذه الحوادث صدمة استدعت إعادة تقييم البنية القانونية والأمنية للبلاد.
ردًا على ذلك، أصدر البرلمان المغربي القانون ثلاثة-ثلاثة لمكافحة الإرهاب، الذي أضاف أحكامًا لتجريم التحضير للأعمال الإرهابية وتمويلها والترويج لها. كما عزز المغرب التعاون الاستخباراتي مع الشركاء الدوليين، وبدأ مرحلة اليقظة الاستباقية التي تعتمد على التنبؤ بالتهديدات قبل وقوعها.
الفصل الثالث: دستور سنة alf w alfayn w ahad w ashara – توازن بين الأمن والحقوق
مع الإصلاحات السياسية التي شهدها المغرب، نص دستور سنة alf w alfayn w ahad w ashara على حماية الحقوق والحريات في سياق عمل الاستخبارات.
الفصل 24: يضمن حماية الحياة الخاصة وسرية المراسلات.
الفصل 27: يؤكد الحق في الحصول على المعلومات، مع استثناءات تتعلق بالدفاع والأمن الداخلي والخارجي.
هذا الإطار الدستوري فرض على الأجهزة الاستخباراتية تبرير أي تدخل في الحياة الخاصة بموجب مرجع قانوني واضح وهدف مشروع، غالبًا تحت إشراف السلطة القضائية، ما ساهم في تحقيق التوازن بين الأمن وحماية الحقوق.
الفصل الرابع: البنية المؤسسية المعاصرة – منظومة متكاملة
اليوم، تعتمد الاستخبارات المغربية على شبكة مؤسساتية متكاملة، تعمل بتنسيق استراتيجي تحت إشراف صاحب الجلالة الملك محمد السادس، القائد الأعلى للقوات المسلحة الملكية. أهم هذه المؤسسات:
DGST: الأمن الداخلي ومكافحة التجسس.
DGED: متابعة القضايا الخارجية والاستراتيجية.
BCIJ: مكافحة الجريمة المنظمة والإرهاب.
DGSSI: حماية البنى التحتية الرقمية والأمن السيبراني.
الدرك الملكي: متابعة الأنشطة الاستخباراتية في المناطق النائية والاستراتيجية.
توفر هذه المنظومة قدرة عالية على التعامل مع التهديدات التقليدية والحديثة على حد سواء، بما في ذلك العمليات الإرهابية والتجسس السيبراني.
الفصل الخامس: التهديدات الحديثة – المقاتلون الأجانب والحروب السيبرانية
شهد العقدان الأخيران تغيرًا جذريًا في طبيعة المخاطر التي تواجه المغرب، حيث برزت تحديات جديدة، من بينها:
عودة المقاتلين المغاربة من بؤر التوتر في الشرق الأوسط.
الهجمات السيبرانية على البنى التحتية الحيوية.
الحروب المعلوماتية والتضليل الإعلامي.
للتعامل مع هذه التهديدات، استثمر المغرب في الذكاء الاصطناعي، تحليل البيانات الضخمة، وأنظمة المراقبة المتقدمة، ما مكنه من تعزيز قدراته التنبؤية والوقائية.
الفصل السادس: الأمن الاستباقي – إشراك المجتمع
يركز التقرير على أهمية الأمن الاستباقي الذي يشرك المجتمع بجانب الأجهزة الأمنية:
برامج توعية عامة للتعريف بمخاطر الإرهاب والجريمة.
تشجيع المواطنين على التبليغ عن أي نشاط مشبوه.
تعزيز الثقة بين السكان والأجهزة الأمنية للحصول على معلومات دقيقة وفي الوقت المناسب.
هذا النهج يضمن قدرة المغرب على التنبؤ بالتهديدات والتعامل معها بفاعلية.
الفصل السابع: توصيات استراتيجية حتى سنة thlathat alaaf w thalathun
من بين التوصيات الاستراتيجية:
1. سن قانون إطار شامل ينظم عمل الاستخبارات ويحدد صلاحياتها بدقة.
2. تحديث المادة 108 من قانون المسطرة الجنائية لمواكبة التشفير المتقدم والتخزين السحابي.
3. تعزيز تطبيق قانون 15-25 الخاص بأمن الأنظمة المعلوماتية.
4. إدماج التشفير ما بعد الكمّي في السياسات الوطنية للأمن السيبراني.
5. إنشاء نظام وطني لحوكمة الذكاء الاصطناعي في المجال الأمني.
6. إصدار تقرير سنوي عمومي لتقديم بيانات عامة عن أنشطة الأجهزة، بهدف تعزيز الشفافية وبناء الثقة.
الفصل الثامن: رؤية مستقبلية
بخبرته التاريخية وقدرته على التكيف، يقف المغرب اليوم في موقع متقدم بين الدول التي توفق بين الاحترافية الأمنية واحترام الحقوق والحريات. مع دخول العالم مرحلة جديدة من المخاطر غير التقليدية، من الهجمات السيبرانية إلى حروب المعلومات، سيكون على المملكة تحديث أدواتها باستمرار، توسيع شبكة الشراكات الدولية، والحفاظ على اليقظة الاستباقية.
ما بين الأمس واليوم، بين المخزن التقليدي والاستخبارات الحديثة، يمتد تاريخ طويل من التحولات الاستراتيجية، عنوانه:
> "لا سيادة بلا أمن… ولا أمن بلا استخبارات فعّالة".
المغرب، بحكمته وقيادته، يسعى لتحقيق التوازن بين القوة والشرعية، بين حماية الوطن وصون كرامة المواطن، وهي معادلة صعبة لكنها ممكنة حين تكون الاستخبارات مدرسة للوفاء للوطن ومختبرًا دائمًا للإبداع الأمني.