تشهد المملكة المغربية تطورًا لافتًا في مسار تحديث قدراتها العسكرية، إذ باتت قريبة من دخول نادي الدول المشغّلة لأحدث المقاتلات الأمريكية من الجيل الخامس. الحديث هنا عن مقاتلات إف-35 لايتنينغ تو الشبحية، التي تُوصف بأنها الأكثر تطورًا في العالم، والتي قد تمثل نقلة استراتيجية غير مسبوقة في تاريخ القوات المسلحة الملكية.
تفاصيل الصفقة
بحسب تقرير صادر عن موقع أفريكا ميليتاري المتخصص في التحليلات العسكرية، فإن المغرب في مراحل متقدمة من مفاوضات لاقتناء 32 مقاتلة شبحية إف-35 من إنتاج شركة لوكهيد مارتن الأمريكية. وتقدَّر قيمة الصفقة بحوالي 17 مليار دولار، موزعة على مدى 45 سنة، وتشمل ليس فقط عملية الشراء، بل أيضًا الصيانة، الدعم الفني، ونقل التكنولوجيا.
هذه الخطوة، في حال إتمامها، ستجعل المغرب أول دولة عربية وأفريقية تمتلك هذا الطراز من المقاتلات المتطورة، وهو ما يعكس حجم الثقة الاستراتيجية التي تحظى بها المملكة لدى واشنطن. كما يضعها في مصاف القوى الجوية الصاعدة، إلى جانب حلفاء مقربين للولايات المتحدة مثل بريطانيا، إيطاليا، واليابان.
قدرات المقاتلة الشبحية
مقاتلة إف-35 ليست مجرد طائرة حربية تقليدية، بل تُعتبر منصة متعددة المهام قادرة على تنفيذ عمليات معقّدة بكفاءة عالية. من أبرز خصائصها قدرتها الفائقة على التخفي، ما يجعل رصدها عبر الرادارات أمرًا بالغ الصعوبة، إضافة إلى امتلاكها لأنظمة استشعار إلكترونية متقدمة تمنح الطيار وعيًا شاملًا بساحة المعركة.
تستطيع المقاتلة التحليق بسرعة تتجاوز ماخ 1.6، أي ما يعادل ضعف سرعة الصوت تقريبًا، مع مدى قتالي يصل إلى حوالي 669 ميلًا بحريًا. كما تتميز بقدرتها على حمل مجموعة واسعة من الأسلحة الذكية والقنابل الموجهة بدقة، ما يمكّنها من القيام بمهام متعدّدة تشمل القتال الجوي، الهجوم الأرضي، جمع المعلومات الاستخباراتية، والحرب الإلكترونية.
الدلالات الاستراتيجية للمملكة
تسعى المملكة المغربية من خلال هذه الخطوة إلى تعزيز مكانتها كفاعل استراتيجي إقليمي، وترسيخ موقعها كحليف موثوق للولايات المتحدة الأمريكية. فالمغرب يتمتع بصفة "حليف رئيسي من خارج الناتو"، ما يتيح له الاستفادة من التكنولوجيا الدفاعية الأكثر تطورًا في العالم.
كما أن هذه الصفقة تندرج ضمن رؤية شاملة لتحديث الجيش المغربي، تشمل القوات الجوية والبرية والبحرية، بما يضمن تكاملًا استراتيجيًا في القدرات الدفاعية. وتمثل هذه الخطوة مؤشرًا على حرص المملكة على امتلاك أدوات ردع متقدمة لمواجهة التحديات الأمنية، وحماية مصالحها الاستراتيجية في محيطها الإقليمي والدولي.
علاوة على ذلك، فإن امتلاك مقاتلات إف-35 سيمنح المغرب قدرة أكبر على المشاركة الفعالة في عمليات حفظ السلام الدولية، ومكافحة الإرهاب، وتأمين الممرات البحرية الحيوية في حوض المتوسط والمحيط الأطلسي.
الأبعاد الاقتصادية والدبلوماسية
صفقة بهذا الحجم تحمل آثارًا تتجاوز الجانب العسكري، لتشمل البعد الاقتصادي والدبلوماسي أيضًا. فمن الناحية الاقتصادية، ستتطلب عملية تشغيل المقاتلات استثمارات كبيرة في البنية التحتية، تدريب الطيارين والفنيين، وتطوير مراكز صيانة متخصصة، وهو ما قد يفتح الباب أمام فرص جديدة للتعاون في مجال الصناعات الدفاعية ونقل التكنولوجيا.
أما على المستوى الدبلوماسي، فإن هذه الصفقة تترجم بوضوح حجم المكانة التي تحتلها المملكة كشريك استراتيجي لواشنطن، وتؤكد عمق العلاقات الثنائية بين البلدين. وهي صفقة لا تُمنح إلا لدول تحظى بثقة سياسية وعسكرية عالية، نظرًا لحساسية التكنولوجيا المدمجة في مقاتلات إف-35.
وتؤكد هذه الخطوة أيضًا الدور المتنامي للمغرب في الساحة الدولية، باعتباره قوة قادرة على المساهمة في جهود الاستقرار والأمن، سواء في إفريقيا أو في المنطقة المتوسطية.
المسار الزمني والتوقعات
وفق التقديرات العسكرية، من المتوقع أن تصل المملكة إلى الجاهزية التشغيلية الكاملة لهذه المقاتلات بحلول عام 2035 تقريبًا. ويعود ذلك إلى المراحل المتعددة التي يتطلبها المشروع، بدءًا من التسليم التدريجي للطائرات، مرورًا ببرامج التدريب المتقدم للطيارين، وصولًا إلى التكامل مع الطائرات الموجودة بالفعل مثل مقاتلات إف-16.
كما أن اعتماد بروتوكولات التدريب المشتركة مع حلف شمال الأطلسي سيُسهم في تسريع الانتقال نحو تشغيل هذه المنصة القتالية المتقدمة، مع ضمان الاستفادة من خبرات الحلفاء الذين يمتلكون هذا النوع من الطائرات.
المستقبل الواعد للمملكة
إن اقتراب المغرب من إتمام هذه الصفقة يعكس رؤية استراتيجية بعيدة المدى تهدف إلى بناء قوة عسكرية عصرية ومتطورة. فهي خطوة لا تعزز فقط قدرات الدفاع الوطني، بل تضع المملكة في موقع متقدم على خريطة القوى الإقليمية الصاعدة.
في ضوء هذه التطورات، يمكن القول إن المملكة المغربية تدخل مرحلة جديدة من تاريخها العسكري، حيث تمتزج القوة التكنولوجية بالتخطيط الاستراتيجي، لترسم مستقبلًا أكثر أمنًا واستقرارًا. صفقة مقاتلات إف-35 ليست مجرد تحديث لسلاح الجو، بل هي استثمار في المستقبل، ورسالة واضحة بأن المغرب يسير بخطوات ثابتة نحو ترسيخ مكانته كقوة إقليمية وفاعل مؤثر في محيطه الإقليمي والدولي.