حراك سياسي مغربي متجدد: الأحزاب بين الإصلاح والرهانات المقبلة

شهدت الساحة السياسية المغربية خلال الأسبوع الجاري حراكًا واسعًا بين مختلف الأحزاب، اتسم بتكثيف الاجتماعات الرسمية، وإصدار مذكرات وبلاغات، إلى جانب تصريحات حملت في طياتها مواقف ورؤى بشأن الإصلاح الانتخابي. هذا الزخم يعكس ديناميكية متصاعدة تعكس رغبة الأحزاب في تثبيت حضورها داخل مشهد يعرف تنافسًا محتدمًا حول قضايا الشفافية، النزاهة، وتمثيل الفئات المجتمعية الواسعة، وفي مقدمتها الشباب والنساء والجالية المغربية بالخارج.


التقدم والاشتراكية: ميثاق الشرف وإصلاح التمثيل
حزب التقدم والاشتراكية ركّز في اجتماعه الأخير على ضرورة إرساء آليات واضحة لمحاربة الفساد السياسي، مقترحًا سن قانون يمنع الترشح لكل من تحوم حوله شبهات قضائية. كما طرح الحزب مبادرة تحت مسمى "ميثاق الشرف"، تُلزم المرشحين باحترام معايير النزاهة، وتمنح القيادة الحزبية حق إقصاء أي عضو يثبت تورطه في ممارسات مشبوهة.
إلى جانب ذلك، شدّد الحزب على تجريم شراء الأصوات بعقوبات مشددة، واقترح جعل يوم الاقتراع عطلة رسمية لتمكين جميع المواطنين، خاصة الموظفين والطلبة، من التصويت، مع إقرار "شهادة مشاركة" تحفّز على الإقبال المكثف. كما دعا إلى إعادة النظر في تقسيم الدوائر الانتخابية بالاستناد إلى الإحصاء الأخير، واعتماد نظام التناوب في اللوائح لضمان تمثيل النساء والشباب دون سن 40، مع فرض عقوبات مالية على المخالفين. أما بالنسبة للجالية المغربية، فقد طرح فكرة تخصيص دوائر خاصة بالخارج وإقرار التصويت الإلكتروني عبر القنصليات.

العدالة والتنمية: حوار وطني متجدد
الحزب الإسلامي البارز، العدالة والتنمية، قدّم بدوره مذكرة إلى وزارة الداخلية، دعا فيها إلى إرساء "ميثاق شرف سياسي" بين جميع الأحزاب، بما يضمن منافسة نزيهة بعيدة عن استغلال النفوذ. وشدّد الحزب على أن الإصلاح الحقيقي يمر عبر إشراك المواطنين في صياغة القرارات المصيرية، داعيًا إلى حوار وطني دوري تُشارك فيه القوى السياسية والمدنية من أجل إعادة بناء الثقة.

الاستقلال: أولوية إدماج الشباب
أما حزب الاستقلال، فقد أعاد في اجتماعه الأخير التأكيد على ضرورة إصلاح القوانين الانتخابية بما يضمن عدالة في التمثيل، معتبراً أن التفاوت بين الدوائر الانتخابية يضر بالمصداقية. الحزب شدّد على أولوية إدماج الشباب في العملية السياسية، مقترحًا التسجيل التلقائي للفئة الجديدة من الناخبين، عبر ربط العملية بالهوية الوطنية البيومترية، ما من شأنه تبسيط الإجراءات وتحفيز المشاركة.

الاتحاد الاشتراكي: الشفافية التمويلية
بدوره، دعا الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية إلى تعزيز الشفافية في التمويل الانتخابي، عبر إنشاء منصة وطنية مفتوحة تُنشر فيها أسماء المانحين وتفاصيل المصاريف. كما طالب بمراجعة نظام احتساب المقاعد عبر اعتماد القاسم الانتخابي بناءً على الأصوات الصحيحة بدل عدد المسجلين، معتبراً أن هذا التعديل سيمنح صورة أوضح عن إرادة الناخبين.

التجمع الوطني للأحرار: تقليص عدد المنتخبين
التجمع الوطني للأحرار ركّز على أهمية التوفيق بين الإصلاحات الانتخابية وبرامج التنمية المجالية. وقدّم مقترحًا لتقليص عدد المنتخبين المحليين من أكثر من 32 ألفًا إلى حوالي 15 ألفًا، بهدف تعزيز الكفاءة وتقليص التشتت الإداري. الحزب أكد أن أي إصلاح انتخابي يجب أن يتماشى مع السياسة الوطنية الرامية إلى تعزيز العدالة الترابية.

الحركة الشعبية: دفاع عن الكوتا
الحركة الشعبية، المعروفة بجذورها القروية والجبلية، دافعت بقوة عن استمرار العمل بنظام الكوتا المخصصة للنساء والشباب، معتبرة أن هذه الآلية ليست ريعًا سياسيًا بل ضمانة لتمثيل الفئات الهشة. كما دعت إلى توسيع صلاحيات الجهات في إطار دعم مسار الجهوية المتقدمة.

ملامح الإصلاح المرتقب
بالرغم من اختلاف زوايا النظر، التقت الأحزاب حول مجموعة من النقاط المشتركة، من بينها:
التسجيل التلقائي للشباب عند بلوغ سن التصويت.
مراجعة الدوائر الانتخابية وفق نتائج الإحصاء الأخير.
إنشاء هيئة مستقلة عن وزارة الداخلية للإشراف على الانتخابات.
ربط اللوائح الانتخابية بالبطاقة الوطنية البيومترية.
نشر البيانات المالية الخاصة بالحملات في منصات مفتوحة.
تخصيص مقاعد للجالية المغربية بالخارج، ورفع عدد النواب عن 395.


تحليل المشهد
هذه التطورات تعكس إدراكًا متناميًا داخل الأحزاب بأن المرحلة المقبلة تتطلب إصلاحات أعمق لإعادة الثقة للمشهد السياسي. فالدعوة إلى "ميثاق شرف" تعكس بحثًا جماعيًا عن قواعد جديدة للمنافسة، بينما تمثل مقترحات التسجيل التلقائي وربط اللوائح بالنظام الرقمي توجهًا نحو تحديث الأدوات التقنية. لكن الخلافات لا تزال قائمة، خاصة فيما يتعلق بآليات التمثيل، بين من يدافع عن الكوتا باعتبارها مكتسبًا ديمقراطيًا، ومن يرى فيها ريعًا يقيد التنافس الحر.

في ختام هذا الأسبوع، يظل المشهد السياسي المغربي متحركًا بين طموحات إصلاحية وخلافات حول التفاصيل. ومع ذلك، تبقى التوجيهات الملكية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس حاضرة كمرجع أساسي، إذ تؤكد على ضرورة تكريس الشفافية والنزاهة وتعزيز المشاركة الشعبية. المغرب مقبل على مرحلة دقيقة تحمل فرصًا لإرساء انتخابات أكثر عدلاً وتمثيلًا، بما يواكب تطلعات المواطنين ويضع المصالح العليا للوطن فوق كل اعتبار.



تعليقات